أوروبا “تجرّب” التقارب مع دمشق ودعوات ألمانية لإعمار سوريا

تقدير موقف

تقديم: على خلفية أزمة اللجوء وتصاعد نفوذ اليمين المتطرّف في أوروبا، تظهر دول في الاتحاد الأوروبي عزماً على خوض تجارب تطبيع مع النظام السوري، فيما تصاعدت أصوات في ألمانيا تدعو إلى المساهمة في إعادة إعمار سوريا بدل إنفاق المال على استقبال اللاجئين. تأتي هذه المواقف على الرغم من أن الموقف الأوروبي-الأميركي ما زال رسميا يرفض التطبيع مع دمشق قبل الشروع في عملية سياسية وفق القرار الأممي المختصّ. فما هو حجم تحرّك “التطبيعيين” مع دمشق وهل يمهد لتحوّل تدريجي في الموقف الأوروبي حيال المسألة السورية؟

نقرأ مسار هذا التحوّل من خلال رصد المعطيات والخلفيات التالية:

•في 14 سبتمبر 2024, دعت زعيمة حزب تحالف “سارة فاغنكنيشت- من أجل العقلانية والعدالة”، في ألمانيا، سارة فاغنكنيشت، إلى تحول حقيقي في سياسة اللجوء الألمانية، ووقف منح الحماية الثانوية للاجئين السوريين، وتحويل الدعم المالي لإعادة بناء سوريا.
•فاغنكنيشت، هي سياسية يسارية بارزة من خلفية شيوعية، تسعى إلى سحب قضية الهجرة  من اليمين الألماني، وسط توقعات بحصول حزبها الذي يحمل إسمها، والذي تأسس في مطلع العام 2024، على نسبة جيدة من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في العام 2025.
•أبدت السياسية اليسارية استعدادها للتحالف مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، علماً أن الحزب أعلن أن لا مشكلة لديه في التقرب من النظام السوري”.
•تقول مصادر ألمانية أن فاغنكنيشت القريبة من روسيا، وتحديداً في ملف الحرب الأوكرانية، وأنه يمكن وضع الهدف من تصريحاتها عن إعادة إعمار سوريا قبل تحقيق الحل السياسي في إطار السعي للحصول على منصب سياسي في ألمانيا، تماشياً مع تصاعد العداء للاجئين في الشارع، وخاصة أنها تحظى بشعبية في ألمانيا الشرقية سابقاً.
•في يونيو 2024 اتفق وزراء داخلية الولايات الألمانية، على ضرورة ترحيل اللاجئين “المجرمين”، والذين يشكلون تهديدات إرهابية خطيرة، إلى سوريا وأفغانستان، وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أن حكومته مستمرة بالدفع في هذا الاتجاه.
•يستبعد مصدر برلماني ألماني أن تحذو ألمانيا حذو الدول الأوروبية التي أعادت علاقتها بالنظام السوري، معتبرا أن ألمانيا لن تعيد علاقتها بالنظام إلا في إطار حل سياسي يقوم على قرار مجلس الأمن رقم 2254.
•في 22 يوليو 2024 ظهرت أعراض بداية تحوّل أوروبي في هذا الصدد حين وجه 8 دول عضو في الاتحاد الأوروبي إلى مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، رسالة تدعو فيها الاتحاد إلى “مراجعة وتقييم” نهجه تجاه سوريا.
•قالت الرسالة التي وجهها وزراء خارجية النمسا، وكرواتيا، وقبرص، والتشيك، واليونان، وإيطاليا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، إن “هدفنا هو سياسة أكثر نشاطا وتوجّها نحو نتائج عملية في سوريا، وهذا من شأنه أن يسمح لنا بزيادة نفوذنا السياسي وفعالية مساعداتنا الإنسانية”.
•تقرّ الرسالة بان الأمور تحرّكت في وصوب سوريا، وأنه رغم هذه “التطورات المهمة لم تتطور سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا، ونتيجة لذلك فإن الجهد الإنساني الضخم لا يترجم إلى دور سياسي مماثل”.
•كان لافتاً أن أغلب هذه الدول لا تشكو من أزمة هجرة سورية بما يجعل من رسالتها واجهة تجريبية وممهّدة لمقاربة بالمفرق قبل سياسة بالجملة للتعامل مع الملف ومع النظام السوري بالذات. وعُلم لاحقا أن الرسالة تحرّكها إيطاليا.
•استند هذا التحوّل على عمل خلفي داخل الاتحاد جرى مؤخرا للدفع بإقامة علاقات ما مع النظام السوري لبحث ملفات الهجرة والمخدرات والجريمة المنظمة. وكانت إيطاليا قد أعلنت في يوليو 2020 ضبط 14 طنا من الأمفيتامين المخدرة القادمة من سوريا، كما تمّ القبض على برونو كاربوني وهو زعيم مافيا إيطالية كان يتنقل داخل الأراضي السورية في مارس 2022، ما يؤشر إلى تحوّل سوريا إلى بؤرة تهدد أمن أوروبا.
•نقلت وسائل الإعلام معلومات عن لقاءات جمعت فريق أوروبي مع النظام السوري بحثت إمكانات إقامة منطقة وسط سوريا (بين حلب وحمص وحماة) تكون آمنة لإعادة لاجئين سوريين من أوروبا (ممن لم يحصلوا على حقّ اللجوء) على أن يكون التمويل أوروبيا بضمانات أمنية روسية.
•يستفيد تيار “التطبيع الأوروبي مع دمشق من قرار جامعة الدول العربية في مايو 2023، بإعادة تفعيل مقعد سوريا في صفوف الجامعة، ومن إعادة بعض الدول العربية سفرائها إلى العاصمة السورية (أعادت السعودية في 10 سبتمبر 2024)، ومن مسار حالي للتقارب بين أنقرة ودمشق. ويلاحظ الأوروبيون أن واشنطن، رغم اعتراضها، تتعايش مع الأمر.
•في 26 يوليو 2024 أعلن وزير الخارجية الإيطالي تعيين سفير لإيطاليا في دمشق. وقال الوزير إن القرار “يتماشى مع الرسالة التي أرسلناها إلى بوريل لتسليط الضوء على سوريا”.
•استمرت دول أوروبية في الاحتفاظ بتمثيل دبلوماسي (رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر) في العاصمة السورية على الرغم من القطيعة الأوروبية مع دمشق. غير أن إيطاليا هي الدولة الوحيدة العضو في مجموعة دول السبع الكبار G7 التي تقوم بهذه الخطوة.
•ترأس جورجيا ميلوني زعيمة حزب “أخوة إيطاليا” حكومة ائتلافية يمينية متطرّفة في إيطاليا. ورغم أن أحزاب اليمين المتطرّف الأوروبي عامة قريبون من روسيا ويؤيدون رواية موسكو للحرب في أوكرانيا، غير ان مواقف ميلوني كانت معارضة لحرب روسيا وداعمة بالسلاح للجانب الأوكراني. ومع ذلك فإن مقاربة ميلوني في التعامل مع ملف سوريا قد لا تكون بعيدة من رؤية موسكو للحلّ في سوريا خصوصا أن نائبها في الحكومة، ماتيو سالفيني، زعيم حزب “رابطة الشمال” اليميني المتطرّف، هو من القريبين من موسكو وبوتين.
•موقف ميلوني ليس انقلابيا في السياق الإيطالي. فقد احتفظت روما دائما بعلاقات مخابراتية مع دمشق وبقيت العلاقات الأمنية فاعلة، وفق رواية مدير الأمن العام اللبناني السابق، عباس إبراهيم على الأقل، الذي كشف عن تنظيمه لمحادثات وزيارات متبادلة لمسؤولين سوريين وأوروبيين، بما في ذلك زيارة مدير مكتب الأمن الوطني حينها، علي مملوك، وإحدى أرفع الشخصيات الأمنية لدى النظام، إلى العاصمة الإيطالية روما، بطلب من الاستخبارات الإيطالية.

خلاصة

**تعبّر دول في الاتحاد الأوروبي عن الحاجة إلى تطوير الموقف من المسألة السورية حتى لا يفقد الاتحاد نفوذه في هذا البلد، فيما تنشط الاتصالات الرسمية بين عواصم أوروبية ودمشق وتعيد إيطاليا تعيين سفير لها في سوريا.
**فوز اليمين المتطرّف في انتخابات فرعية في ألمانيا يدفع أصوات يسارية إلى العوة إلى انقلاب في سياسة الهجرة تقوم على تمويل الإعمار في سوريا بدل تمويل استقبال اللاجئين من هناك.
**تقوم الدينامية الجديدة في أوروبا على تصاعد النقاش حول اللاجئين وازدهار التيارات الشعبوية المناهضة للهجرة، وعلى قيام المنطقة العربية بالتطبع مع دمشق ووجود مسار مع تركيا بهذا الاتجاه وسط تعايش أميركي مع الأمر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.