أمير الكويت يحلّ البرلمان ويعطّل موادا في الدستور: قراءة في الأسباب والتحديات
د.محمد قواص؛ مركز تقدم للسياسات
ورقة سياسات
ملخص تنفيذي:
– القرارات تتجاوز حلّ البرلمان إلى تعطيل الحياة البرلمانية لإنتاج إصلاحات دستورية.
– التحوّل يطال مراجعة العملية السياسية في البلاد من دون التراجع عن خيار الديمقراطية.
– قرارات الأمير جاءت لتوقف شللا سياسيا تشهده البلاد منذ عقود وبات مهددا لمستويات التنمية والاقتصاد.
– القرارات تستهدف فتح ملف الفساد الذي تعطّلت سبل معالجته بسبب منظومة العمل السياسي.
– القرارات أتت بعد زيارات خارجية للأمير وقراءة للمشهد الإقليمي والدولي واستنتاج تخلّف الكويت عن الالتحاق بركب دول خليجية متقدمة.
– القرارات تنسجم مع هواجس خليجية متخوّفة من عدم الاستقرار في الكويت الذي قد يتفاقم من السياسي إلى الأمني داخل مشهد إقليمي غير مستقرّ.
تقديم:
قرر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في 10 مايو 2024، حلّ البرلمان وتعليق العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن 4 سنوات. وكان الأمير قد حلّ مجلس الأمة في منتصف فبراير الماضي. وأُعلن في 5 أبريل 2024، بعد إجراء انتخابات، هي الرابعة خلال أربع سنوات والأولى في عهد أمير البلاد الحالي، عن تشكّل البرلمان الجديد الذي شمل تغييرا في 11 مقعداً، لكن المعارضة احتفظت بغالبيتها في مجلس الأمة،.
التعطيل الحكومة والقرار الصعب:
استنكر الأمير في خطابه عدم القدرة على إنتاج حكومة بعد أن تم تكليف الشيخ احمد العبد الله الصباح برئاسة الوزراء في 15 أبريل 2024، بسبب سلسلة من السلوكيات المتدخلة في شؤون صلاحيات رئيس الوزراء كما التدخل الذي طال “صميم اختصاصات الأمير وحقوقه الدستورية”.
وأتي قرار أمير البلاد بعد سلسلة نكسات خلال السنوات الأخيرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وكان مأمولا أن تتراجع عراقيل السياق السلس للعملية السياسية في الكويت مع تولي الشيخ مشعل رأس السلطة في البلاد. وقد اعترف الأمير في خطابه باستمرار مواجهة “المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تصوره أو تحمله”. وتحدث عن ” سعي البعض جاهداً إلى إغلاق كل منفذ حاولنا الولوج منه لتجاوز واقعنا المرير، مما لا يترك لنا مجالاً للتردد أو التمهّل لاتخاذ القرار الصعب، إنقاذاً لهذا البلد، وتأميناً لمصالحه العليا، والمحافظة على مقدرات الشعب الوفي الذي يستحق كل تقدير واحترام”.
تعطّل العملية الديمقراطية:
اعتمدت الكويت في أكتوبر 2012، نظاماً انتخابياً جديداً بمرسوم أميري، تم من خلاله تعديل قانون الدوائر الانتخابية بخفض عدد المرشحين الذين يحقّ للناخب انتخابهم من 4 في القانون السابق إلى مرشح واحد فقط. ورغم اعتراضات كثيرة، فإن المحكمة الدستورية أيدت المرسوم الأميري في يونيو 2013.
وشهدت الكويت منذ بدء الحياة البرلمانية فيها قبل 61 عاماً حل مجلس الأمة 12 مرة، وخلف تكرار حلّ المجلس وإجراء الانتخابات خلال السنوات الماضية حالة من الجمود السياسي على مدى عقود والإحباط لدى الكويتيين.
وتتمتع الكويت بحياة سياسية نشطة، ويحظى برلمانها الذي ينتخب أعضاؤه لولاية مدتها 4 سنوات، بسلطات تشريعية واسعة، ويشهد مناقشات حادة في كثير من الأحيان.
وتحظر الكويت الأحزاب السياسية. لكن البرلمان يتمتع بصلاحيات كبيرة، منها استجواب رئيس الوزراء والوزراء وإقرار القوانين ورفضها وإلغائها. لكن الأمير له الكلمة الفصل في شؤون البلاد وله صلاحية حل البرلمان.
وأثارت التجربة الديمقراطية على مدى العقود السابقة جدلا في الكويت ولدى دول مجلس التعاون الخليجي. وفيما استطاعت الدولة التعايش مع سلسلة من الأزمات والتعامل معها دستوريا من خلال صلاحيات أمير البلد في حلّ البرلمان وإعادة انتخاب بديل له، غير أنه راجت وجهات نظر تتهم هذه التجربة بالوقوف وراء عدم استقرار الحياة السياسية في الكويت على نحو قد يؤثر على انسجام مكوّنات مجلس التعاون الخليجي، لا سيما في المراحل التي تواجه فيه دول المجلس مجتمعة استحقاقات خطيرة.
وقد ظهر في خطاب أمير الكويت تأثر بهذه الانتقادات والهواجس وعزم على اتخاذ مواقف حازمة في هذا الصدد. قال الأمير مشعل في خطابه: “لن أسمح على الإطلاق بأن تُستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة”، في إشارة إلى التخوفات التي تم التعبير عنها داخلية وخليجيا.
إعادة تنظيم السلطات:
لم يشكك الشيخ مشعل بخيار الديمقراطية في الكويت، لكنه يطرح إصلاحا للتجربة من خلال إعادة تقييم شاملة لا سيما في مسألة تنظيم السلطات. رأى الأمير أن الديمقراطية “تفرض قدراً واسعاً من تنظيم السلطات العامة، وتوزيع أدوارها وتفرض العديد من الضوابط على السلطتين التشريعية والتنفيذية”. ويستنتج من ملاحظات الأمير وجود أعطاب دستورية تسمح لأطراف العملية السياسية وكافة السلطات بالتهرب من أحكام الدستور من دون ضوابط واضحة. واعتبر الأمير أنها “ضوابط آمرة لا تبديل فيها ولا مهرب منها وليس لأي جهة أو سلطة”.
وأشار الأمير إلى سلوكيات تعطيل مخالفة لنصوص الدستور. ويتضح من هذه الشكوى استمرار توتّر العلاقة بين الطبقة السياسية مع الحكومة قبل التشكّل وبعدها على النحو ذاته الذي عرفته الكويت في عهود سابقة. بمعنى أن الأمير جاء يضع حدا لما بات من أعراف وتقاليد الحياة السياسية في البلاد. والواضح أن تحوّلات المنطقة والعالم كما جولات الأمير الخارجية أملت قراءة جديدة لوضع الكويت داخل المجموعة الخليجية وضمن المشهد الدولي العام. وكان الأمير قد قام خلال الأشهر الماضية بـ “زيارات دولة” إلى السعودية، عُمان، البحرين، قطر، الإمارات، الأردن ومصر، وتركيا.
المسّ بصلاحيات الأمير:
أعاد أمير الكويت فتح ملفات حكومات سابقة فانتقد تمريرها “مخالفات وتجاوزات جسيمة نتيجة للضغط النيابي أو اجتهادات غير موفقة أو مدروسة وانعكست سلباً على المصلحة العامة حتى وجدنا من أدين بالخيانة حراً طليقاً نتيجة لهذه الممارسات غير المقبولة”. وأضاف الأمير أنه “لن يسمح على الإطلاق أن يتكرر ذلك تحت أي ظرف من الظروف”
وانتقد الشيخ مشعل “من هدّد وتوّعد بتقديم الاستجواب لمجرد أن يعود أحد الوزراء إلى حقيبته، وآخر يعترض على ترشيح البعض الآخر، متناسين جهلاً أو عمداً أن اختيار رئيس الحكومة وأعضائها حق دستوري لرئيس الدولة ولا يجوز لأحد اقتحام أسواره أو الاقتراب من حدوده أو التدخل في ثناياه”. أتت هذه الانتقادات ردًا على تهديد بعض النواب، في 9 مايو 2024، باستجواب وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف في حال عودته إلى الحكومة،
ويعتقد أن قرار الأمير بحلّ البرلمان وتعطيل بعض مواد الدستور بصورة مؤقتة يعود أيضا إلى بعض أعراض المسّ بصلاحيات أمير البلاد. بمعنى أن ما كان قبل ذلك سجالا بين بعض البرلمانين والحكومة، بات هذه الأيام يتجاوز الحدود التقليدية ويمسّ صلب النظام السياسي. وقد استهجن الأمير في خطابه في هذا الصدد وصول التمادي إلى حدّ “التدخل في صميم اختصاصات الأمير، والتدخل في اختياره لولي عهده، وهو حق دستوري واضح وجلي للأمير، ومتى ما زكى الأمير أحدهم لولاية العهد يأت دور السلطات الأخرى كما رسم لها الدستور اختصاصها، وليس قبل ذلك”. وكان يشير بذلك إلى اعتراض بعض النواب أثناء حملاتهم الانتخابية على بعض الأسماء المرشحة لمنصب ولي العهد.
عدم الاستقرار والفساد:
كان لافتا إقرار الأمير مشعل بتفاقم ظاهرة الفساد في الكويت. وحنى في ظل اشتداد السجال سابقا بين المعارضة البرلمانية والحكومة، ظل ملف الفساد خارج المعالجة المباشرة حتى باتت الظاهرة جزءا بنيويا من الدورة الاقتصادية في الكويت. وسبق أن شهدت البلاد انتقادات بشأن التباطؤ في خطط التنمية مقارنة بالانجازات التي تحقّقت في هذا المضمار لدى بقية دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما في السعودية والإمارات. فالدولتان تواصلان تقليص الاعتماد على قطاع النفط وخلق المشاريع الكبرى التي تضخّ عوائد للميزانية، ما يفضي في نهاية المطاف إلى تعزيز القوّة الاقتصادية وجعلها قائمة على المشاريع العملاقة والاستراتيجية.
وحمّلت تقارير عدم الاستقرار الحكومي مسؤولية فشل مشاريع التنمية في البلاد. فمشروع ميناء “مبارك الكبير” ظهر منذ 2007 بهدف إحياء مشروع “طريق الحرير” من خلال بوّابة الكويت.
ولم تتعدَّ نسبة الإنجاز أكثر من 52 بالمئة بعد 17 سنة. وذكّرت هذه التقارير أن الكويت شهدت خلال الـ17 سنة تلك 20 حكومة (من الحكومة رقم 24 برئاسة الشيخ ناصر المحمد التي شُكّلت بتاريخ 25 مارس 2007 إلى الحكومة رقم 44 التي شُكّلت برئاسة الشيخ محمد صباح السالم في 17 يناير 2024).
وأعادت بعض الآراء سبب عدم الالتحاق بركب دول المجموعة الخليجية إلى تفاقم ظاهرة الفساد وعجز الدولة عن مواجهتها.
وقد ربط الأمير ظاهرة الفساد بظاهرة الفوضى داخل العملية السياسية، بمعنى أنه ربط قراراته بمسألة الشروع في معالجة جدّية لملف الفساد في الكويت.
فقد أشار إلى أن “مصادر الثروة الوطنية لا يمكن التفريط فيها أو استخدامها على وجه يستنزف مواردها ويعطل مصالح الأمة عن طريق اقتراحات تهدر المال العام ولا تحقق الصالح العام”، معتبرا ان “الجو غير السليم الذي عاشته البلاد خلال السنوات السابقة شجع على انتشار الفساد ليصل إلى أغلب مرافق الدولة”.
غير أن خطورة ما كشف عنه تكمن في أن الفساد “وصل إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية، ونال حتى من مرفق العدالة”. وقد ألمح في إشارته إلى المؤسسة القضائية إلى حثّ القضاء على “تطهير نفسه” وإلى أن رياح التغيير ستشمل كافة السلطات في البلاد. ولفت الأمير إلى أنه “يجب أن يعلم الجميع أن لا أحد فوق القانون فمن نال من المال العام دون وجه حق فسوف ينال عقابه أياً كان موقعه أو صفته”.
المواد الدستورية المعطّلة:
وفق ما أعلن لاحقا فقد تمّ تعطيل عدة مواد دستورية. وشمل هذا التعطيل المادة 51، التي تنص على أن السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقاً للدستور. كما علق العمل بالمادة 56، المتعلقة بتعيين الوزراء، والمادة 71 التي تنص على وجوب عرض مراسيم تعيين الوزراء على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها. وكذلك أوقف العمل مؤقتاً بالمادة 79، التي تفيد بضرورة عدم صدور أي قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير. وشمل التعليق المادة 107، التي تتطرق إلى حق أمير البلاد بحلّ مجلس الأمة بمرسوم يبين أسباب الحل على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى.. وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في فترة لا تتجاوز الشهرين من تاريخ الحل. وعلقت أيضا المادة 174، التي تعطي حق تنقيح الدستور إلى الأمير ثلث أعضاء مجلس الأمة، فضلا عن المادة 181، التي تنص على عدم جواز تعطيل أي حكم من أحكام الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون.
ووفق تفسيرات دستورية فإن سلطات مجلس الأمة سيتولاها الأمير ومجلس الوزراء، وأن تعطيل العمل بالدستور هو جزئي ومؤقت لا يتجاوز أربع سنوات ويهدف إلى العمل على مراجعة شاملة للدستور. وقد اقتصر التعطيل على الشقّ التشريعي والرقابي من دون المسّ المتعلق بالحقوق والحريات وتنظيم السلطتنين التنفيذية والقضائية. وستمرّ عملية مراجعة الدستور عبر آليتين: الأولى، من خلال لجنة فنية متخصّصة في القانون الدستوري والتي تقدم التوصيات والخيارات. والثانية، من خلال مجلس الوزراء الذي يقرر كيفية المصادقة على التعديلات الدستورية سواء من خلال مجلس الأمة أو الاستفتاء العام.
خلاصة واستنتاجات
**حسمَ أمير الكويت جدلاً تأخّر البتّ به وسبّب شللا سياسيا وعدم استقرار داخلي أثّر مباشرة على فعالية العمل الحكومي وخططّ التنمية في البلاد.
**أتت قرارات الأمير بعد سلسلة زيارات قام بها إلى دول مجلس التعاون الخليجي وإلى مصر والأردن وتركيا. والأرجح أن الأمير اطّلع على مسارات التنمية الخليجية وقلق دول مجلس التعاون الخليجي من عدم الاستقرار السياسي في الكويت.
**تهدف القرارات إلى التحاق الكويت بقطار التنمية التي تمّ تحقيقها بمستويات لافتة لدى بعض دول الخليج وبقيت الكويت متخلّفة عنها.
**استنتج الأمير ضرورة التدخل والحسم بسبب استمرار حلقة التعطيل التي باتت تمنع تشكيل حكومة للبلاد، وبسبب ظهور أعراض تدخّل من قبل جهات سياسية بصلاحيات الأمير نفسه.
**القرارات تُدخل الكويت في مرحلة جديدة في السنوات المقبلة يؤملُ فيها ضبط الوضع الداخلي والتفكير بنصوص دستورية تتّسق مع التحوّلات التي جرت في المنطقة والتي قد يشهدها العالم.
**قد تتعرض الكويت لانتقادات وضغوط من قبل بعض الدول الغربية بسبب ما ستعتبر أنه تهديد للديمقراطية في الكويت. وسيكون على الكويت إطلاق حملة علاقات عامة لشرح قرارات الأمير لدى العواصم الكبرى.