أفريقيا الحائرة: تراجع فرنسا ارتباك أميركا وضبابية موقع روسيا والصين
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
كشفت الانتخابات الرئاسية في السنغال عن مواصلة ابتعاد دول أفريقية عن النفوذ الفرنسي التقليدي من دون الحسم في وجهة اصطفافاتٍ نهائية جديدة. وفيما اعتبرت باريس أن دول نفوذها تسقط في حبائل النفوذ الروسي وأنشطة شركة “فاغنر”، اشتبهت أيضا في برودة الموقف الأميركي وغضّ الطرف عن سلسلة انقلابات في أفريقيا. ومع ذلك فإن الأمر ليس محسوما بالنسبة للولايات المتحدة.
في هذا السياق تُرصد الملاحظات التالية.
*وفق “لوموند” الفرنسية فإن السنغال ركيزة أساسية للوجود الفرنسي وفق معاهدة بين الدولتين. تمتد مهمة القوات الفرنسية إلى دول الجوار الإقليمية، وباتت جزءًا من قوى التصدي للتيارات الجهادية في غرب إفريقيا. وتشكل أيضاً مركزاً رئيسياً للقيادة المشتركة لحماية الموانئ وسبل المواصلات البحرية والجوية.
*بدأت داكار في العقد الأخير تفتح أبوابها أمام مستثمرين جدد، خاصة من الخليج والصين وتركيا وروسيا. ومع ذلك، ظلت فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للبلاد.
*أظهر التململ في إفريقيا أن القارة السمراء لم تعد حكراً على فرنسا وأوروبا وهو واقع أشار إليه الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي سال في محاولة منه لرفع شعبيته قبل انتخابات حاول إلغاءها.
*فاز في انتخابات السنغال من الجولة الأولى باسيرو ديوماي فاي. وفق صحيفة “لاكسبرس” الفرنسية، اعتمدت حملته الانتخابية على شعار “إفريقيا للأفارقة”. واقترح الرئيس الجديد في حملته وكان عصب حملة حزبه الانتخابي شعار «إفريقيا للإفريقيين» إضافة إلى رمي كرة نار الخروج من نظام النقد CFA المرتبط بفرنسا.
*CFA هي عملة مشتركة تشمل 8 دول هي بنين، بوركينا فاسو، ساحل العاج، غينيا بيساو، مالي، النيجر، السنغال وتوغو. وهي نظام نقدي الواقع يُوفّر إطارا اقتصادياً مستقراً لإدارة السياسات الاقتصادية، لكنه يمنح فرنسا الأرجحية في سياستها النقدية.
*يأتي التطوّر الديمقراطي في السنغال بعد سلسلة انقلابات أطاحت بأنظمة الحكم في كل من مالي وغينيا عام 2021، وبوركينا فاسو بوركينا فاسو عام 2022 و النيجر والغابون في عام 2023.
*الحدث اللافت جرى في النيجر حين أجبر الانقلابيون بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني فرنسا على سحب قواتها من البلاد على الرغم من محاولة باريس العناد وتحريض دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس(.
*جرى تفسير التحوّلات الأفريقية بأنها نتاج الضغط الاقتصادي الصيني واندفاع بكين لتمويل مشاريع كبرى في إفريقيا من دون أية شروط سياسية والدور الروسي عبر شركة “فاغنر” العسكرية التي كانت تُقدّم خدماتها الأمنية لرؤساء وحكومات إفريقية مقابل استثمارات في مناجم تجارة الذهب والماس. غير أن باريس اشتبهت أيضا بدور أميركي ما لإزاحة فرنسا عن مواقع نفوذها في افريقيا.
*في سياق انقلاب النيجر، رفضت الولايات المتحدة وصف ما حصل بالانقلاب لأن القوانين الأمريكية تمنع التواصل مع أميركيين. في حينه التقت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند ببعض قادة المجلس العسكري في النيجر من دون أن تنتقد الانقلاب. ويتواجد في النيجر نحو ألف جندي أمريكي في قاعدة “أغاديز”، وهي قاعدة مركزية أمريكية في المنطقة، وتُستخدم لعمليات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء.
*في 17 مارس أعلنت الحكومة العسكرية في النيجر معتبرة أن الوجود العسكري الأميركي “غير قانوني” و”ينتهك جميع القواعد الدستورية والديمقراطية”. وبحسب نيامي، جرى فرض هذا الاتفاق الموصوف بـغير العادل “من جانب واحد” من الولايات المتحدة، عبر “مذكّرة شفهية بسيطة” عام 2012.
خلاصة:
**يمكن استنتاج نهائية تحولات في أفريقيا تتخلّص من خلال من وصايات تقليدية باتجاه شكل جديد من العلاقة بين أفريقيا والعالم. ويشكل شعار “أفريقيا للأفارقة” قاسما مشتركا لتلك التحوّلات سواء جرت عبر الانقلابات العسكرية أم من خلال صناديق الاقتراع.
**ما زال الوقت مبكّرا لمعرفة إلى أين ستنتهي الاصطفافات الأفريقية داخل المشهد الدولي. لم يثبت بعد أن الولايات المتحدة تأخذ مكان فرنسا في ميادين نفوذها ولم يحسم الصراع لصالح دول أخرى مثل روسيا والصين.
**الواضح أن الصراعات الدولية تنتقل إلى أفريقيا، لكن سرعة الأحداث وتصاعد أهمية القارة قد تفرض سياسات عدائية من قبل الغرب وخصومه لدفع البلدان الأفريقية للخروج من المنطقة “الوطنية” الرمادية واختيار اصطفافاتها الدولية.
**الأرجح أنه سيكون للتنظيمات الإرهابية دور في الاستفادة من الفوضى الأفريقية وصراع الكبار وربما خدمة لأجنداتهم.
**انتخابات السنغال أعطت مثالا آخر للتغيير بشكل ديمقراطي. يدعم الحدث علاجا مضادا للتغيير عبر الانقلابات العسكرية التي شهدتها أفريقيا خلال الأعوام الأخيرة.