أضواء على الخلاف في الكنيسة الارثوذكسية في اثيوبيا، انتفاضة كنيسة الاورومو قد تفتح حربا جديدة
ورقة سياسات : علي هندي ، مركز تقدم للسياسات
ملخص تنفيذي:
بعد المواجهة الدامية التي خاضتها الحكومة الاثيوبية ضد جبهة تحرير تيغراي بكلفتها البشرية والمالية،الا انها ادخلت البلاد في امتحان صعب بات يهدد النسيج الاثني والديني . فالبلاد المتعددة العرقيات والأديان باتت في مواجهة اخرى بنفس المستوى ولكن بمقدمات وادوات مختلفة. فقد وضع التوتر المؤسسة الدينية العريقة في إثيوبيا في مواجهة عرقية الاورومو.
تهدف هذه الورقة ، تسليط الضوء على نوع من صراع ” الهويات القاتلة ” في بلد أنهكته الحروب الأهلية منذ سقوط الامبراطور هيلاسلاسي إلى يومنا هذا.
التحليل :
نجحت الكنيسة الارثوذكسية في إبقاء هذا النوع من الصراعات في غياهب النسيان، لكن المتغيرات السياسية الجارية ، وتحديدا منذ نجاح انتفاضة الاورومو عام 2018 . فقد صعد احد أبنائها الدكتور ابي احمد الى سدة السلطة لأول مرة في تاريخ البلاد ، هذه القومية ورغم أنها تشكل أغلبية عددية بمسلميها ومسيحييها ، إلا أنها عانت من التهميش والإفقار التاريخي تحت حكم الامهرا والتيغراي . وبقيت حبيسة تشريعات دينية معقدة. ولم يقتصر الأمر على المطالبة بالمساواة في السلطة والثروة وحقها في استعادة ملكيتها من الأراضي ، بل وبروز مطالب لمعالجة الغبن التاريخي الذي لحق بالجزء المسيحي من تلك القومية الصاعدة.
فتح هذا الملف بعد مطالبة الكنائس الاورومية إقامة القداس والصلوات باللغة الاورومية وكذلك صلاحية تعيين الأساقفة للكنائس والأبرشيات التي تقع في المناطق التي يغلب عليها الاورومو. في 22 يناير 2023 قامت مجموعة بقيادة الأب ساويروس، أسقف أبرشيات جنوب وغرب شوا، بمشاركة إثنين آخرين من رؤساء الأساقفة بتعيين 17 أسقفا للأبرشيات الواقعة في منطقة أوروميا، و 9 آخرين خارجها. كما تم تعيين الأب ساويروس مطرانا عاما للكنيسة . وطالبت المجمع الكنسي الاعتراف بالتعينات الجديدة، وضم أعضائها إلى المجمع ، وهددت بتأسيس مجمع كنسي خاص بإقليم أوروميا إذا لم تستجب الكنيسة لمطالبهم. لكن المَجمَع الكنسي، وفي اجتماع طارئ عقد في 26 يناير، اعتمد قرارا بطرد المجموعة المنشقة وإدانتها، واعتبر أعضائها خارجين على تعاليم الكنيسة وشرائعها. وقام المجمع بنزع الألقاب الكنسية والمناصب الكهنوتية عن أعضاء المجموعة وحذر أتباع الكنيسة منهم. أما الأب ساويروس، فقد أوضح أن مجموعته اتخذت القرار بعد أن فشلت مشاورات طويلة الأمد داخل الكنيسة استجابة لخدمة المؤمنين بلغاتهم الأصلية واحترام ثقافتهم، مما أدى إلى فقدان ملايين المؤمنين على مدى السنوات الماضية في أوروميا والمنطقة الجنوبية. كما اتهم الأب ساويروس المجمع الكنسي الحالي بسيطرة مجموعة واحدة على ٨٥ % من أعضائها، في إشارة إلى قومية الأمهرا، مما يعرقل إجراء أية إصلاحات. وفي المقابل، تتهم التيارات المتشددة داخل الكنيسة، القوميين بالسعي لإعادة تشكيل الكنيسة على الخط الإثني السائد سياسيا في البلاد.
تعاني الكنيسة الأورثوذكسية في إقليم أوروميا والجنوب الإثيوبي فقدان كبير لأتباعها، حيث تتحول شرائح كبيرة إلى طائفة البروتستانت، التي تستهوي تعاليمها الإصلاحية وتوجهاتها الليبرالية الكثير من النخب وشرائح الشباب.أبعد آبي أحمد نفسه وحكومته عن خلافات الكنيسة وقال ، “هناك قدر من الحقائق لدى طرفي الخلاف، وجميعهم آباؤنا ، ونحن لا نقف مع مجموعة ضد أخرى”، وهو ما اعتبرته الكنيسة حيادا سلبيا لصالح المجموعة المنشقة. واعتبر رئيس الوزراء خلافات الكنيسة ذات بعد سياسي وعرقي ومصلحي، وحث القيادات الدينية الابتعاد عن السياسة والخلافات الإثنية، ومحاربة الفساد المستشري داخل المؤسسات الدينية على عمومها. تأتي تصريحات آبي أحمد، في ضوء اتهامات من قبل الكنيسة والتيارات المحافظة الحكومة بالتدخل في الشؤون الكنسية، وتشجيع القيادات الدينية ذات الأصول الأورومية بالتمرد على الكنيسة المركزية.
تاريخ الكنيسة الارثوذكسية في اثيوبيا
تعد الكنيسة الارثوذكسية الاثيوبية واحدة من أقدم الكنائس في العالم ، حيث يعود تاريخ نشأتها إلى العام 330 ميلادية وهو العام الذي أقرت فيه مملكة اكسوم باعتماد الديانة المسيحية كدين رسمي للمملكة. وكانت بذلك ثاني دولة في العالم تتبنى المسيحية رسميًا.
يعرف المذهب الارثوذكسي في اثيوبيا باسم “تواهدو” وهي كلمة جعزية – لغة سامية إثيوبية قديمة- . نشأت فيما يعرف الآن بشمال إثيوبيا وإرتريا، وهي قريبة من لغات التيغري التيغرينية المنتشرتان في شمال اثيوبيا وارتريا وكذلك الأمهرية الشائعة في إثيوبيا- وتعني كلمة تواهدو “متحدون كواحد” وهي تشير إلى الإيمان الأرثوذكسي الشرقي بالطبيعة الواحدة الموحدة تمامًا للمسيح. أي أن الاتحاد الكامل بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية في طبيعة واحدة من أجل تحقيق الخلاص الإلهي للبشرية.
نجحت كنيسة التواهدو أو التوحد الأرثوذكسية الإثيوبية في تحقيق القطيعة عن روما ، والتصدي لمحاولات انتشار الإسلام، كما نجحت في التصدي لمحاولات الاستعمار المتكررة تغيير تعاليمها . وتعتبر كنيسة التواهد والإثيوبية واحدة من أكبر الكنائس الأرثوذكسية الشرقية. وواحدة من الكنائس المسيحية القليلة في أفريقيا جنوب الصحراء التي نشأت قبل الاستعمار الأوروبي للقارة.
تبنى الملوك والاباطرة الذين تعاقبوا على حكم الهضبة الحبشية ، المسيحية الارثوذكسية كدين رسمي لممالكهم التي تنوعت رقعتها الجغرافية. ونتيجة لذلك أصبح للكنيسة دور في رسم سياسات الدولة، انتج في شقة الاول ، سردية السلالة الإمبراطورية شبه إلهية التي ارتبطت بالملك سليمان ونظرية ارتباط الدولة الإقليمية بمباركة الهية. اما الشق الثاني فيتمثل في دور المسيحية في السردية الوطنية الإثيوبية والتي ارتبطت بحكم الظروف السياسية اللاحقة باللغة الامهرية. جرى ترجمة الكتاب المقدس إلى الامهرية في العام 1808 ، في مفارقة تاريخية ذات دلالة انها كانت على يد المصري أبو الرومي ، وقد أدى الى ارتباط الكنيسة بالثقافة الأمهرية التي صارت بعد ولادة إثيوبيا الحديثة في العام 1889 على يد الإمبراطور مينليك الثاني الدين الرسمي للبلاد وطبعت ثقافتها إلى يومنا هذا. ومع احتفاظ المسيحية بموقعها كدين رسمي للدولة الحديثة، توفرت الظروف الملائمة لهيمنة قومية الامهرا على مؤسسات الدولة، وهذا يفسر اقتران اسم الكنيسة بالامهرية حيث كانت ولسنوات عديدة تعرف بالكنيسة الارثوذكسية الامهرية.
الاورومو في مواجهة الكنيسة:
وفق لبعض المصادر فان رجال الدين الارثوذكس كانوا من ضمن جنود الامبراطور منيليك الذي كان يسعى إلى توسيع رقعة مملكته من خلال بسط نفوذه على أراضي الاورومو، وأن قدومهم على هذه الشاكلة وليس كرجال دين يحملون دعوة الرب، الأمر الذي تسبب في أن ينظر السواد الاعظم من ابناء الاورومو لهم نظرة سلبية. وتعزز هذا الشعور بعد ان قام رجال الدين اسوة بملاك الأراضي من الاقطاعيين الذين كان غالبيتهم من الامهرا بانتزاع الأراضي من الفلاحين واجبارهم على العمل فيها. ورسخ حكم الامبراطور هيلاسلاسي لسلطة الكنيسة بعد أن اصبحت رسميا سلطة موازية لسلطة الامبراطور وبات لها الحق في ربع أراضي الدولة، وهو ما صعب من مهمة الأورومو في مقاومة التهميش والاضطهاد الذي مورس عليهم ، من قبل رجال الدين او الاقطاعيين من ملاك الأراضي الجدد. وظهرت محاولات مختلفة من قبل شخصيات اورومية من أجل تحقيق مشاركة فعالة للاورومو في إدارة شؤونهم الدينية والتخلص من أشكال الهيمنة التي مورست عليهم، وكان أبرز هذه المحاولات الترجمة التي قام بها الاورومي اونيسموس نصيب للكتاب المقدس إلى اللغة الأورومية عام 1905. وقادت تلك المحاولة اونيسموس إلى المحاكمة من قبل رجال الدين الذي اتهموه باستخدام لغة غير مفهومة والتعدي على ذات مريم العذارء، وامر بابا الكنيسة انذاك بنفيه إلى خارج البلاد لولا تدخل الامبراطور الذي أمر بعدم نفيه والاكتفاء بتحديد إقامته في مدينة نكمتي ومنعه من ممارسة الدعوة. وبعد مرور 90 عاما ، في عام 1993 رفض رجال الكنيسة السماح باقامة القداس على جثمان الناشطة ابراش دبالا، ابنة الـ22 ربيعا وذلك بعد اتهامها بالهرطقة على إثر قيامها بنشر تعاليم دينية باللغة الاورومية. سنوات طويلة مرت على الحراك الأورومي المسيحي ،قبل أن تتوفر الظروف الملائمة ، كي يقوم بطرح مطالبة التي مهدت لما اعتبره المجلس الكنسي العام تجرؤا على الكيان المقدس. وتمثلت المطالب في الآتي:
· وجوب توفر نسخة باللغة الأورومية للكتاب المقدس وذلك كي يتمكن الاورمو من فهم تعاليم الدين.
· اقامة كلية أو جامعة لتدريس اللاهوت بالاورومية، ومنع التمييز الذي يمارس ضد الطلبة الاوروميين في معاهد اللاهوت.
· ضرورة وضع قيود لضمان استفادة الأهالي من الاراضي التي في حوزة الكنيسة، والتوقف عن منح الامتيازات للغرباء باستخدام مبررات عقائدية.
· وضع قوانين لمنع رجال الدين والأساقفة والرهبان الذين لا يرغبون في تعلم الاورومية من الاستفادة من الأموال التي تجمع من المصلين.
· ضرورة ضمان الاستفادة الحصرية لمناطق الاورومو من الأموال التي يتم جمعها باسم التوسع الاستثماري للكنائس في اوروميا. وعدم تخصيصها لمشاريع تعود بالفائدة على غير الاورومو.
في السابق كان غالبية المسيحين الاورومو يتبعون المذهب الارثوذكسي، ولكن السنوات الثلاثين الماضية شهدت هجرة أعداد كبيرة منهم نحو المذهب البروتستانتي الذي لعب انتشاره من خلال الإرساليات التبشيرية الغربية دورا في حصول أعداد كبيرة من أبناء الاورومو على فرص التعليم. ولا تتوفر إحصائيات رسمية عن نسبة الارثوذكس والبروتسانت، وذلك يسري على نسبة أعداد المسيحين الاورومو وهذا راجع إلى الغموض الذي يكتنف التصريحات الرسمية حول الأعداد والنسب كذلك.
ان نشر التعليم في بعض مناطق الاورومو الذي تم على يد الإرساليات البروتستانتية، كان له الفضل في إمداد الحراك الذي نشأ للدفاع عن حقوق الاورومو بالكفاءات العملية التي تحملت مسؤولية مجابهة القوى التقليدية.
الخلاصة:
احتفظت الكنيسة الارثوذكسية بمكانتها بالرغم من الرياح العاتية التي تعرضت لها منذ سقوط النظام الإمبراطوري في أواسط السبعينيات من القرن الماضي. كما ترتب على سقوط النظام العسكري العام 1991 تعيين الاب بولس بطريركا جديدا خلفا للاب ميركوريوس الذي قالت الحكومة حينها أنه تنحى من منفاه، الأمر الذي أنكره هو ومجموعة الأساقفة الذين انضموا إليه ليعلنوا رفضهم لشرعية المجمع الكنسي في اثيوبيا ويعلنوا تاسيسهم لمجمع يمثل الكنيسة الارثوذكسية من المنفي، وانتهي الانشقاق داخل الكنيسة الذي استمر لمدة 26 عاما في العام 2018 ، بعد أن أعلن مندوبون من البطريركية في أديس أبابا ، ومن هم في الولايات المتحدة ، إعادة التوحيد في واشنطن، وكان ذلك بسبب المساعي التي بذلها أبي أحمد فور وصوله للسلطة. أما الانشقاق الثاني فكان حين حصلت الكنيسة الأرثوذكسية الإريترية على استقلالها عن الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية في 28 سبتمبر 1993. وهي خطوة قوبلت بمعارضة شرسة من قبل مجموعة من الاساقفة الذين وصفوا الخطوة بانها تفكيك التراث الروحي لاثيوبيا. هذه الاحداث كانت بالنسبة للقوميات الاثيوبية الاخرى فصلا من فصول المسرحية الاثيوبية التي عسكت ملامحهم وتاريخهم، اما بالنسبة للامهرا فان تلك الانشقاقات التي أصابت الكيان الديني ، اعتبروها تهديدا لهويتهم و مكانتهم ونفوذهم ، حيث ارتبط تاريخ تشكلها بالكنيسة واقترن اسمها باسم الكنيسة وشكل لسانهم ثقافتها. وهذا يقودنا الى حقيقة، ان الامهرا معنيون بكل تفاصيل هذه المواجهة التي اشتعلت بين رجال الدين، وان ما يترتب عليها من نتائج ، ستكون له انعكاسات على مستقبل المواجهة بينهم وبين الاورومو. فبعد النجاح في زحزحة هيمنة الامهرا على إقليم شوا حيث المركز أديس أبابا، ستكون الكنيسة هي مسرحها الآخر، وأن نجاحهم في كسب المعركة الثقافية ، يمهد لزحزحة هيمنة الثقافة الامهرية. أما رئيس الوزراء ابي احمد فقد يواجه تحديا يتمثل في انعكاس نتائج المواجهة بين الامهرا و الاورومو على نجاح مشروعه في صهر القوميات الاثيوبية المختلفة، والذي أطلق عليه نظرية الدمج “مدمر” . ومن غير الواضح ما إذا كان سيوفق في تسويق رؤية مغايرة فيما يخص دور الكنيسة ، تنطوي على نظرية الفصل وليس الدمج، وبالتالي تجنيب إثيوبيا مواجهة دموية أخرى قد تكون أكثر خطورة من تلك التي كانت مع جبهة تحرير تيغراي.
المصادر:
https://gospodarka.dziennik.pl/news/artykuly/8665880,isw-wyciek-kreml-dokument-wojna-ukraina-rosja-bialorus-nato-wladimir-putin.html
Oromos in Orthodox Church: The forgotten People
https://niloticpost.com/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%84-%d9%8a%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%b9%d8%b6%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa/
https://addisstandard.com/news-orthodox-synod-says-agreement-to-resolve-schism-breached-as-breakaway-group-expresses-dissent/
https://www.rct.uk/collection/1005085/orite-zafetherate-book-of-genesis 2023.02.28
https://en.wikipedia.org/wiki/Onesimos_Nesib#Life