أزمة الخيارات الاسرائيلية والمخاطر على الفلسطينيين.
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
في تضارب تصريحات القادة الاسرائيليين والتهديد والوعيد، كان لافتا تصريح وزير الامن الاسرائيلي غالنت بأن اسرائيل لن تتيح لايران تغيير معادلة الردع، وبناء عليه تتحدد طبيعة الرد الإسرائيلي على الرد الايراني على استهداف قنصليتها وقادة عسكريين ايرانيين. ذهب نتنياهو الى خطابه الثابت بأن “من يعتدي علينا سواء من قريب ام من بعيد سوف يواجه وقع قبضتنا”، فيما أسرع غانتس وايزنكوت خلال الغارة الايرانية الى الدفع نحو الرد الفوري وقبل ان تصل الصواريخ والمسيّرات الى الحدود الإسرائيلية الا ان نتنياهو وغالنت تحفّظا على ذلك. هذا ما رشح عن اجتماع كابنيت الحرب، وهو نتاج تقدير بأن عامل الوقت قد يكون حاسما في توفر فرصة الرد، اذ ستكون ضغوطات دولية لمنع التصعيد. واذ اتضح ان عامل الوقت حاسم، فقد تبدلت المواقف اذ بات الجيش أكثر المستعجلين بالرد المدوّي وكي لا تخسر اسرائيل هذه الفرصة، وهو ما لم يتبناه كابنيت الحرب وحصريا نتنياهو، وذلك ضمن اخذ مغزى التحذيرات الايرانية على محمل الجد.
في المقابل ورغم التحذيرات الامريكية من التصعيد في الرد الاسرائيلي غير المتناسب فقد جاءت تصريحات بايدن لصحيفة وول ستريت جورنال (17/4) لتؤكد “اذا ما سارت ايران باتجاه التصعيد الجوهري فإن الولايات المتحدة قد تنجر الى الحرب”.
قراءة في حدود الموقف الاسرائيلي من ايران:
بمرور نحو اسبوع تجد القيادة الاسرائيلية نفسها في أزمة وذلك بعيدا عن الخطابات الاستهلاكية بأن القرار قد اتخذ. وتدور حالة الارباك حول إدراك تداعيات الهجوم الايراني ردا على استهداف قنصليتها، ويبدو وزير الامن كان الاكثر ادراكا لهذا الشأن وذلك في تصريحه بأن اسرائيل “لن تتيح لإيران تغيير معادلة الردع” مؤكدا ان الرد الاسرائيلي سيكون استراتيجيا في خدمة هذه الرؤية.
فيما ضغط ارييه درعي رئيس حزب شاس (17/4/2024) وهو المشارك في كابنيت الحرب، ولحق بموقفه موشي غافني رئيس حزب يهدوت هتوراه الحريدي، باتجاه عدم الرد على الاقل حاليا، مبررا موقفه بإبقاء الاولوية لانجاز مهام الحرب على غزة، وكذلك في الاستفادة القصوى من الفرصة التي يوفرها التحول في المواقف الدولية من اسرائيل في مواجهتها مع ايران والنقيضة لموقف هذه الدول من الحرب على غزة. اللافت في هذا الموقف هو ان درعي وغافني ليسا الاكثر اهتماما بالوضع الاستراتيجي الواسع ولا الاكثر اكتراثا للوضع الدولي واصطفافاته، بينما دورهما الاكبر هو على الساحة السياسية الاسرائيلية الداخلية، وهما يملكان مفاتيح الحل في مسألة فرض التوافق على موعد لانتخابات مبكرة للكنيست، كما يملكان القدرة على حسم الامور داخل الكابنيت بصدد نطاق الرد الاسرائيلي على إيران. اضافة الى ان منع الانتقال الى حالة الحرب الشاملة من شأنه ان يقلل من الضغط نحو تجنيد المتدينين الحرديم للجيش بدلا من الانشغال التوراتي.
الادراك الاخر هو ان الحرب المباشرة والشاملة لا تزال خيارا مستبعدا من جميع الاطراف، في حين ان رفع مستوى المواجهة مع ايران الى ما يستدعي ردا ايرانيا جوهريا والتحول الى مستوى اقرب الى الحرب المباشرة القائم على تسديد ضربات متبادلة فإنه قد يدفع رغم التقدير بضالة احتمالية الحرب الى وقوعها، وعليه فإن نقطة البدء لا بد ان تكون اسرائيليا ضربة استباقية على الجبهة الشمالية ضد حزب الله، باعتباره الخطر العسكري المباشر الاكبر على اسرائيل، حيث تشهد الايام الاخيرة تصعيدا ملموسا لكنه لا يخرج عن نطاق معادلة الردع المتبادل.
الضغط الامريكي نحو اقامة حلف استراتيجي اسرائيلي خليجي، والذي تراجعت احتمالاته بعد السابع من اكتوبر 2023، والذي كان وفقا للتصور الامريكي مبنيا على تطبيع سعودي اسرائيلي لم يحصل، هو أبعد من مشروع اقليمي وإنما مشروعا امريكيا شاملا ضمن التنافس الاستراتيجي حول طرق الملاحة البحرية والاقتصاد والطاقة والنفوذ وحصريا مع كل من الصين وروسيا، حيث نفوذهما الاقتصادي والتجاري وفي مجال الطاقة يتعاظم اقليميا وحصريا لدى دول الخليج المعنية بالانفتاح في هذه المجالات على “القطب الشرقي” وعدم الرهان على نظام القطب الواحد. فيما تشكل حرب اقليمية تهديدا للاقتصاد العالمي ومن شأنها ان تخلق ازمة طاقة وازمة مالية واقتصادية تعصف بأوروبا وبالعالم كله. بناء عليه فإن المواقف الاوروبية الداعية للتريث إسرائيليا وفي الاستفادة القصوى من الحالة المؤيدة لإسرائيل كما صرحت وزيرة خارجية ألمانيا ورئيس حكومة بريطانيا، انما تعكس هذه التخوفات، في حين امريكيا اضافة الى الاثر الاقتصادي فإن غلاء الاسعار فيما لو حصل بسبب الصراع الاسرائيلي الايراني قد يكون له اثر حاسم على امكانية اعادة انتخاب بايدن رئيسا، وهو اكبر أثرا في الراي العام الامريكي الواسع من ويلات الحرب على غزة.
في ظل غياب اي أفق لمشروع سياسي اسرائيلي للخروج من حالة التصعيد باستثناء الحل العسكري والسعي لتوريط الولايات المتحدة فيه، تشير تقديرات اسرائيلية الى ان التوتر مع إيران قد ثبّت معادلة جديدة قائمة على ان الحرب الاقليمية او محورة الامور في التوتر الاقليمي، من شأنه ان يؤدي الى تهميش قضية فلسطين والحرب على غزة. الا ان هذا التوجه لا يؤدي الى تغييب قضية غزة عن الساحة الدولية للمدى الطويل، وعليه تنحو حكومة نتنياهو نحو غايات مستحدثة ومنها اعطاء الاولوية لتفكيك استراتيجية وحدة الساحات وطوق النار حول اسرائيل ومحور المقاومة. ووفقا لما رشح من المحادثات الامريكية الإسرائيلية المكثفة فإن الصيغ التي تطرحها اسرائيل قائمة على ما يمكن تسميته مقايضة بين الجبهات، كأن تتراجع اسرائيل على الرد المكثف على ايران مقابل القبول الامريكي بعملية اسرائيلية في رفح، وهو ما يعززه تجنيد لواءين من قوات الاحتياط الى غزة ومن مهامها توسيع ممر نيتسريم (المنطار) الذي يبتر شمال قطاع غزة عن جنوبه وإقامة قواعد عسكرية أمامية للتحرك العملياتي السريع كما كشف الاعلام مساء 18/4، ويفرض نزوحا سكانيا لمليون فلسطيني من نازحي شمال القطاع من رفح باتجاه خان يونس والساحل دون العودة الى الشمال، مما يتيح عملية كبرى في رفح. كما يعزز هذا التقدير هو كثافة القوات المصرية شمال سيناء على الحدود مع غزة لمنع استغلال الحالة نحو خلق حالة لاجئين فلسطينيين باتجاه سيناء.
الخلاصة:
– الارتباك الإسرائيلي حقيقي بشأن الخيارات التي تحمل من المخاطر بما يهدد اي انجاز عسكري. وقد تجعل حالة الردع الاسرائيلي تتآكل أكثر.
– احتمالية “مقايضة الجبهات” والحصول على “ضوء اخضر” امريكي بشأن عملية رفح واردة اكثر اذا وافقت حكومة نتنياهو على عدم الرد على ايران او إبقاء الرد ضمن حالة الضبط.
– تصريحات بايدن بأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها منجرّة للحرب بين إسرائيل وايران تؤكد ايضا تناقض الموقف الامريكي.
– موقف الاحزاب الحريدية الدينية قد يحسم القرار الاسرائيلي اكثر من كابنيت الحرب، ونحو عدم الرد.
– في حال قررت اسرائيل اشعال حرب اقليمية فمن المرجح ان تبدأها بضربة استباقية في الجبهة الشمالية.
– كل حرب اقليمية او انشداد للاهتمام الدولي نحو التوترات الاقليمية يأتي على على حساب قضية فلسطين وتراجع الضغط الدولي بصدد الحرب على غزة.